المستشار طارق البشري لـ «المصريون»: هذه أسباب انتكاسة ثورة يناير
مشكلة الإخوان كانت دومًا المزج غير الموفق بين الموقف الدعوى والممارسة السياسية لم يدرك الإخوان أن الوصول إلى السلطة وإدارة الدولة أمر غريب فى تركيبته عنهم وكان الثمن باهظًا بمناسبة الذكرى السادسة لثورتنا المجيدة، أجريت حوارًا مع أستاذى وقدوتى المستشار طارق البشري، وكان دوره بارزًا فى الأحداث التى تلت ثورة يناير عام 2011، وتركز حوارنا حول نقاط ثلاث: الاتهام الموجه إلى اللجنة الدستورية التى رأسها بعد الثورة، بأنها أول من شقت الصف الوطنى بإصدارها على إجراء انتخابات البرلمان الجديد قبل وضع الدستور، فضلاً عن اتهام هذه اللجنة بالانحياز، لأنها كانت تضم أحد الوجوه البارزة فى الإخوان المسلمين وهو (صبحى صالح) المحامي. سألته عن الأخطاء التى وقع فيها التيار العلمانى والتى أضاعت ثورتنا، وأخيرًا عن ممارسات الإسلاميين بعد الثورة وأخطائهم التى أدت إلى نفس النتيجة.. وهى انتصار الثورة المضادة. اللجنة ضمت قمم القضاء والقانون وعن السؤال الأول يقول: اللجنة التى تشرفت برئاستها كان إعلانها فى 13 فبراير من عام 2011، وشكلتها وزارة العدل وأعلنها المجلس العسكري، ولا يمكن اتهام أعضاء اللجنة بالانحياز إلى أى طرف، فهى تتكون من ثمانية أعضاء أجلاء من ذوى العلم والخبرة والمسلك الحميد، ومن بينهم ثلاثة من كبار مستشارى المحكمة الدستورية العليا، وثلاثة من صفوة أساتذة القانون العام بكليات الحقوق، ومن أعلام القانون الدستوري، بالإضافة إلى عضو فاضل كان عضوًا باللجنة التشريعية بمجلس الشعب لسنوات سابقة. حكاية العضو الإخواني سألته: (إشمعنا) ـ اختيار هذا العضو بالذات فى اللجنة الدستورية التى ترأسها. أجاب: لم أكن أعرفه فهو من اختيار وزارة العدل، وفهمت وقتها أنه كان ذا صلة طويلة بإدارة التشريع بوزارة العدل لما يقوم بين الجهتين من أعمال مشتركة تتعلق بمشروعات القوانين التى تعرضها الحكومة من خلال إدارة التشريع بالوزارة على مجلس الشعب من خلال لجنته التشريعية. ويضيف المستشار طارق البشرى قائلاً فى حسرة: لقد هوجمت اللجنة كثيرًا وهوجم عملها بسبب عفوية الزميل الفاضل صبحى صالح، ودل هذا الهجوم الإعلامى المكثف على روح الإقصاء التى اتصف بها المهاجمون من التيار العلمانى الذين يرفضون أى مشاركة فى عمل عام يكون مشاركاً فيه أحد من التيار الإسلامي، والغريب أن وزارة الدكتور عصام شرف، التى تولت الحكم بعد الثورة ضمت أشخاصًا من حزب الوفد والتجمع وحزب مصر الاجتماعي، ومع ذلك لم تتهم الوزارة بالانحياز إليهم بل تركزت الاتهامات على لجنتنا فقط، واتهموها بأنها "إخوانية" مع أن فيها ستة من أعضاء المحكمة الدستورية وعلماء القانون، وهذا يدل على مدى التعصب العلمانى ضد كل ما هو إسلامى وهى ظاهرة مؤسفة مستمرة حتى الآن وكانت قد وردت "بلاوي" عدة شهدتها بلادنا. انحيازنا كان للديمقراطية وعن اتهام اللجنة أنها شقت الصف الوطنى بإصرارها على إجراء الانتخابات أولاً قبل وضع الدستور، أكد المستشار طارق البشري: اخترنا طريق الديمقراطية والمفاجأة اكتشفت أن هؤلاء الذين يطالبون بها منزعجون منها ويرفضون أى انتخابات حرة تظهر ضعفهم وأنهم لا قيمة لهم فى الشارع المصري. وأضاف قائلاً: كان أمامنا اختيارات ثلاثة دستور تعده لجنة يشكلها المجلس العسكرى بالتعيين وهذا الخيار غير ديمقراطي، وإن كان يناسب هوى ما يسمى بالنخبة!! لجنة منتخبة من الشعب وهذا الخيار عيبه أنه قد لا يوفر للجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور، الخبرات الفنية والعلمية المطلوبة من أساتذة وعلماء ليس لهم الحضور الشعبى الذى يضمن اختيار الجماهير لهم. إجراء انتخابات البرلمان أولاً وهو الذى يختار بعد ذلك الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور وستحرص على أن تضم الخبرات القانونية الرفيعة والشخصيات العامة المحترمة وبذلك نجمع بين الحسنيين، الانتخاب وأصحاب الخبرة. ويؤكد المستشار طارق البشري، أن الذين رفضوا هذا الاختيار كانوا يخشون من انتخابات نكشف ضعفهم، وهؤلاء يستمدون قوتهم أساسًا من الإعلام. وامتلأت الفضائيات والصحف بصخب ولغط إعلامى وصياح، وبرغم هذا الشغب الضعيف جرى الاستفتاء فى 19 مارس سنة 2011، وأسفر عن موافقين بنسبة 77.2% ورافضين بنسبة 22%، يعنى الأصوات الرافضة أقل من ربع عدد المصوتين الذين بلغ عددهم 18 مليون مصري، ودل ذلك على مدى التأثير النخبوى والإعلامى المحدود على الرأى العام المصري. أربعة أخطاء للتيار العلمانى انتقل حوارنا إلى السؤال الثانى المطروح عن الأخطاء التى وقع فيها التيار العلماني، فقال إنه شارك فى تغيير طبيعة الصراع، فلم يعد كما كان فى الشهور الأولى من الثورة، صراع القوى الديمقراطية ضد النظام الاستبدادى القائم، بل تحول إلى معركة واحدة لا غير هى الدينية أم العلمانية، وذلك بعدما سميت "العلمانية" باسم المدنية رغم أن وصف المدنية قبل ذلك كان يطلق فى مواجهة العسكرية. والخطأ الثانى كما يقول المستشار طارق البشري، يتمثل فى تأخير انتخابات مجلس الشعب التى كان من المفترض أن تجرى فى يونيو من عام 2011، فلما قاوموا إجراءها مبكراً تم تأجيلها إلى شهر نوفمبر من العام نفسه، وهم بهذا التأخير لم يستفيدوا شعبيًا بكسب هذا الوقت، بل انتفع منه التيار السلفى الذى استطاع تنظيم نفسه، بعدما كانت دعوته قاصرة على الجانب السياسى والثقافي. وتمثل الخطأ الثالث فى رفض ما افترضناه بإجراء انتخابات البرلمان بالانتخاب الفردى على جميع المقاعد، وهو يناسب وضع مصر، لأن الأحزاب والتيارات المتنافسة أضعف وأقل جماهيرية من أن يناسبها إجراء الانتخاب بالقوائم الحزبية، لكنهم أصروا على ذلك، واستجيب لطلبهم بنسبة الثلثين من مقاعد المجلس، وصدق ما توقعناه فلم يستفيدوا شيئًا من ذلك، بل كان الفائز الأكبر فيها هو التيار السلفي، الذى حصل على 15% فقط من المقاعد الفردية، بينما فاز بنسبة 29% تقريباً من مقاعد الانتخابات بالقائمة. وأخيرًا لم يكتف هؤلاء بمعارضة حكومة الرئيس مرسى والتصدى لأخطائه فى إطار النظام الديمقراطي، لكنهم جهدوا بالانضمام إلى قوة جهاز الدولة للإجهاز على هذا النمط من الحكومات المنتخبة، وشاركوا فى تأليب الشارع وتجنيد أجهزة الإعلام للإطاحة بالقوة بنظام رئيسه من الإخوان المسلمين، لكنه جاء بانتخابات نزيهة. أخطاء كبيرة للإسلاميين وفى رأى المستشار طارق البشري، أن التيار الإسلامى مسئول بذات الدرجة عن انتكاسة ثورة يناير، فهناك ممارسات عديدة منهم أثارت مخاوف الرأى العام، لكن الموضوع أعمق من ذلك بكثير، كما يقول مستشارنا الجليل. ويشرح ما يعنيه قائلاً: الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية وأقوى تنظيم شعبى فى مصر، يقوم على الدعوة بالدرجة الأولى، وليس تنظيميًا سياسيًا وهو يثقف شبابه على فكر الدعوة وأن الإسلام دين ودولة، لكنه لا يزودهم بالدراسات عن الشئون الدنيوية المحيطة بهم بمثل ما يزودهم بالمبادئ العقيدية، والجدير بالذكر أن موقف الداعية يختلف كثيرًا عن موقف السياسي، فالداعية علاقته علاقة أخذ وعطاء وغايته من المتلقى أن يصير السامع مثله فيما يفكر فيه أو بالأقل بصيرًا عارفًا برأيه.. بينما مهمة السياسى أن يبحث مع الآخر عن أوجه الاتفاق بينهما، وأوجه الخلاف محدودة ليدرك الاثنان القدر المشترك بينهما فى المواقف وإمكانية العمل معًا، ومشكلة الإخوان المسلمين فى مصر كانت دومًا المزج غير الموفق بين الموقف الدعوى والممارسة السياسية، لذلك لم يمكنهم أبداً أن يقيموا تحالفات مع أى من القوى السياسية أو يكسبوا ثقتهم!! وهذا ما ظهر واضحًا بعد ثورة يناير، فقد فقدوا تأييد القوى المدنية التى وقفت إلى جانبهم فى البداية. والإخوان المسلمون اغتروا بقوتهم وظنوا أنهم يمكنهم الحكم وحدهم وهم بالفعل القوة المنظمة الأولى ببلادنا، لكن تأييدهم ليس كاسحًا بدليل أن الرئيس محمد مرسى نجح فى جولة الإعادة ضد شفيق بنسبة 51.73% من الأصوات بعدد 13.23 مليون صوت من مجموع كلى وهو 25.5 مليون صوت، وهى نسبة محدودة جدًا قارناها بحزب الوفد المصري، عقب ثورة 1919، إذ خاض أولى انتخابات برلمانية بعد الثورة وحصل على 90% من مقاعد مجلس النواب. وفى رأى المستشار طارق البشري، أن سعى الإخوان إلى سدة الرئاسة كان خطأ كبيرًا وجر عليهم وعلى مصر كلها الكثير من المصائب، ويقول فى ذلك: للأسف لم يدرك الإخوان أن بلوغ الحكم واعتلاء السلطة ورئاسة جهاز إدارة الدولة غريب فى تركيبته عنهم، إن ذلك فى ذاته محنة من المحن وأن السيطرة عليه وقيادته من عناصر غريبة عن هذا الجهاز أمر بالغ الصعوبة جدًا يقترب من حد العجز، وجهاز إدارة الدولة مثل القلعة من يدخله ولا يستطيع السيطرة عليه سيصير سجينًا به. ولا وسط فى ذلك!!!
اقرأ المقال الاصلى فى المصريون : https://almesryoon.com/%D9%85%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D8%A7%D8%AE%D9%86%D8%A9/1021931-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%83%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%B1
//
https://almesryoon.com/%D9%85%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D8%A7%D8%AE%D9%86%D8%A9/1021931-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%83%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%B1
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment