Tuesday, August 23, 2016

قانون بناء الكنائس.. ما له وما عليه

دراسة قانونية يقدمها المستشار عماد أبو هاشم

لا أحد يُنكر على غير المسلمين من أهل الكتاب حقهم فى إقامة صلواتهم و شعائرهم الدينية فى دور عبادةٍ تُقام على النحو المقرر فى شرائعهم ، و هذا الحق مستمدٌ من الشريعة الإسلامية السمحاء لا خِيَرة للمسلمين فى تقريره أو حجبه بحسبان أنهم مأمورون بما هو ثابتٌ من الدين بالضرورة يأخذون الدين كله فلا يؤمنون ببعضعه و يكفرون ببعضه ، و قد تواتر على ذلك الصحابة و تابعوهم و الخلفاء الراشدون ، فبقيت الكنائس و المعابد فى بلاد المسلمين و على رأسها مصر شاهدةً أن الإسلام تكفَّل بحمايتها و تأمينها و كفَل حرية العبادة و إقامة الشعائر الدينية فيها ، و لو كان غير ذلك لمَا بقى من أهل الكتاب فى ديار الإسلام ديارا.
لقد أقر الإسلام المفاهيم الجامعة لحقوق المواطنة فكان له السبق فى ترسيخها و تطبيقها على نحوٍ أكثر شمولًا و تسامحًا من كافة الدساتير و القوانين التى عرفتها الأنظمة القانونية فى البلدان التى يعتنق أهلها أديانًا غير الإسلام ، إلا أن لكل حقٍ ضوابطه و حدوده ، فالحقوق المقررة فى الشريعة الإسلامية و القوانينِ الوضعية ـ و منها حق غير المسلمين فى إقامة دور عباداتهم ـ ليست طليقةً لا تحكمها ضوابط أو تحدها حدود ، ذلك أنه و إن كان الحق يخوِّل صاحبه السلطة الفعلية فى استعماله على النحو الذى يحقق الغرض منه إلا أنه دائمًا ما يكون مقيدًا بحقوق الآخرين محكومًا بالنظام العام السائد فى الدولة مشروطًا بعدم التعسف فى استعماله.
والإسلام حين أقر لأهل الكتاب حقهم فى إقامة دورٍ لعبادتهم لم يكن ـ قط ـ يرمى إلى أن يستطيل ذلك الحق ليتجاوز الحد اللازم لإقامة شعائرهم و صلواتهم أو أن يطغى ذلك الحق على حقوق المسلمين أو أن يكون فى استعماله تعسفٌ و إضرارٌ بالغير أو تعطيلٌ لشعائر الإسلام و خروجٌ على مبادئه أو مخالفةٌ للنظام و الآداب العامة ، فحرية العقيدة مكفولةٌ بما لا يمس الإسلام فى تعاليمه و أحكامه و أسسه و قواعده ، فإذا كان أهل الكتاب ينكرون نبوة رسول الله محمدٍ صلى الله عليه و سلم و كان هذا الإنكار يمثل أحد ثوابت عقيدتهم فإن الإسلام و إن ترك لهم الحرية فى التصديق بنبوته صلى الله عليه وسلم إلا أنه أخذ على أيديهم أن يتناولوه بالعيب أو التكذيب أو ما دون ذلك من أمور تسيئ إليه و إلى الإسلام و المسلمين .
فإذا كانت حرية الاعتقاد و إقامة الشعائر مكفولةً لأهل الكتاب كافةً فى بلدٍ الإسلام دينه الرسمى فإن ذلك مشروطٌ ـ فى المقام الأول ـ ألا يكون فيه انتقاصٌ يُخِلُّ بدين الأغلبية ، فإذا كان من حقهم أن يطبقوا شرائعهم و يقيموا شعائرهم كاملةً غير منقوصةٍ فإن من حق المسلمين ـ أيضًا ـ أن يطبقوا شريعتهم و يقيموا شعائرهم كاملةً غير منقوصةٍ ، فإذا ما تعارضت شرائعهم و شعائرهم مع الشريعة الإسلامية على نحوٍ ينتقص منها أو يخالف أحكامها ، فالمفاضلة ـ فى هذا المقام ـ تكون لشريعة دين الأغلبية ألا و هى الشريعة الإسلامية ، وهذا المبدأ هو أحد المبادئ الراسخة فى الشريعة الإسلامية ، ليس هذا فحسب بل إنه هو المبدأ السائد فى معظم الدساتير و القوانين الوضعية استمدته نصوصها من الأعراف المستقرة التى صاغتها قواعد العدالة و القانون الطبيعىُّ .
و القول بغير ذلك ـ فى إطار نظرية الحق ـ يؤدى إلى نتائج غير مقبولةٍ تُحدِث بالضرورة شرخًا فى البنيان الاجتماعى للجماعات المتعايشة فى المجتمع الواحد و تُخلُّ بالمراكز القانونية المستقرة لكل منها و تؤثر سلبًا فى أمن المجتمع و سكينته ؛ ذلك أنه إذا تعارضت حقوق الأقلية مع حقوق الأغلبية فإن المصالح التى ترمى الأولى إلى تحقيقها تكون قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب ـ البتة ـ مع ما يصيب المجتمع بسببها من ضررٍ باعتبار النسب العدية للتركيبة السكانية ؛ فيكون فى استعمال الأقلية حقوقهم التى تتعارض مع حقوق الأغلبية تعسفٌ فى استعمال الحق ، فإذا كانت حقوق الأغلبية تشكل مراكز قانونيةً مستقرةً فإن محاولة الأقلية فرض حقوقهم التى تتعارض معها يُخِلُّ ـ على نحوٍ جسيم ـ بالمركز القانونية المستقرة للأغلبية بما يتهدد المجتمع بصراعاتٍ طائفيةٍ أو عرقيةٍ أو دينية تؤثر سلبًا فى أمنه و استقراره و نظامه العام.
لقد تكفَّل القانون المدنى فى مادته الخامسة بتبيان حالات التعسف فى استعمال الحق حين نص على أن " يكون استعمال الحق غير مشروعٍ في الأحوال الآتية: (أ) إذا لم يُقصَد به سوى الأضرار بالغير. (ب) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية ، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها. (ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعةٍ".
فإذا كانت الحقوق تقف على التماس مع بعضها البعض ، فإن تجاوز الحق يشكل ـ بالضرورة ـ إخلالًا بحقوق الآخرين التى تتماس معه ، فإذا ما تجاوز غير المسلمين من أهل الكتاب الحدود اللازمة فى ممارسة حقوقهم توسعًا و غلوًّا دون مقضًى كأن يتوسع المسيحيون ـ مثلًا ـ فى بناء الأديرة و الكنائس مساحةً و عددًا دون حاجةٍ فعليةٍ إلى ذلك رغبةً منهم فى اكساء البلاد الطابع المسيحى شكلًا أو استعدادًا لدخول المزيد من المسلمين فى دينهم أو لمجرد التطاول على مساجد المسلمين فى البنيان ، فإن ذلك ـ فضلًا عن أنه يتعارض مع حقوق الأغلبية من المسلمين فى الحفاظ على الطابع الإسلامىّ لبلدهم ـ فإنه يصطدم بالمراكز القانونية المستقرة التى اكتسبها المصريون المسلمون عبر مئات السنين و التى أصبحت واقعًا يشكل النظام العام للمجتمع المصرى بأسره.
لم يكن ـ قط ـ مقصد الشارع الحكيم حين أعطى غير المسلمين من أهل الكتاب الحق فى بناء دور العبادة الخاصة بهم أن يمكنهم من اكساء البلاد الإسلامية بطابعهم الدينىِّ أو أن يتطاولوا على مساجد المسلمين فى البنيان دون مقتضًى توسعًا و غلوًا ، بل تمكينهم ـ فحسب ـ من إقامة صلواتهم و ممارسة شعائرهم بما يكفُل لهم ذلك لا بما يزيد عن حاجتهم إضرارًا بالمسلمين أو تحقيقًا لغاياتٍ غير مشروعة تشكل تعسفًا منهم فى استعمال حقهم الشرعى . فاستعمال الحق و إن كان مباحًا شرعًا و قانونًا إلا أن تجاوزه أو التعسف فيه يتعارض مع أحكام القانون و الشريعة الإسلامية على حد السواء.
تمهيد :
نص دستور النظام الحالى فى مادته رقم ( 235 ) على أنه : " يُصدِر مجلس النواب فى أول دور انعقادٍ له بعد العمل بهذا الدستور قانونًا لتنظيم بناء و ترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية "
و استنادًا إلى هذا النص أخذ البعض يسابق عجلة الزمن لاستصدار قانون بناء و ترميم الكنائس رغم أن الأجل المضروب لإصداره وفقًا للنص المشار إليه ـ و هو أول دور انعقادٍ للبرلمان بعد العمل بهذا الدستور ـ لا يعدو أن يكون من المواعيد التنظيمية اللائحية التى يتوغى المشرع منها مجرد حث المخاطبين بأحكام النصوص التى تكتنفها على سرعة إنجاز ما يتوجب عليهم إنجازه خلالها فلا يترتب على تجاوزها البطلان أو أىُّ أثرٍ قانونىٍّ آخر.
و فيما يتعلق بهذا النص فإن إرجاء برلمان النظام الحالى إصدار القانون المشار إليه إلى دور انعقادٍ لاحقٍ لا يترتب عليه بطلان إصداره أو قابليته للإبطال ـ و لا يُعَدُّ ذلك الإرجاء مخالفةً دستوريةً ترقى الى حد جواز الحكم بعدم دستورية إجراءات إصداره ، و القول بغير ذلك لا يستقيم مع ما كفلته القواعد الدستورية لأعضاء البرلمان من حقهم فى حرية إبداء الرأىِّ و التصويت على إصدار القوانين ، بل إنه يحمل معنى المصادرةِ على هذا الحق ، و هو ما لا يستند إلى دليلٍ مقبولٍ عقلًا أو نقلًا ، و على الرغم من وجود هذا النص فإنه يبقى من حق أعضاء البرلمان التصويت على رفض إصدارالقانون المقترح على البتات أو إرجائه إلى دور انعقادٍ لاحقٍ إذا كان يحتاج إلى مزيدٍ من البحث و المناقشة و الدراسة و إلا فما غاية التصويت على إصدار القوانين .
إن ذلك يجعل الهيئة البرلمانية مجرد آلة طباعة صماء تُصدر القوانين وفق عملية طباعةٍ ميكانيكيةٍ بحتة ، و لاسيما أنه من المعلوم بالضرورة ـ وفقًا للقواعد المتبعة في تفسير القوانين ـ أن تناول النص بالتفسير و التأويل لا يكون إلا في سياق كافة نصوص التقنين الذى اكتنفه مجتمعةً دستورًا كان أم قانونًا ، كما أنه في حالة غموض أو التباس معنى النص يكون التفسير باستلهام إرادة المشرع التى لا يمكن ـ عقلًا ـ أن تتجه إلى تعطيل حق أعضاء البرلمان في التصويت على إصدار قانونٍ معينٍ من عدمه .
و باستعراض نص المادة (253) من دستور النظام الحالى يتبين للرائى أنه قصر نطاق ما يتناوله قانون تنظيم بناء و ترميم الكنائس على الأمور
التى تكفُل للمسيحيين حرية ممارسة شعائرهم الدينية فحسب ، و يُستفَاد هذا المعنى من عبارة " بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية " أى أن الخطاب الوارد بالنص المشار إليه ليس على إطلاقه ليتناول بناء الكنائس عددًا و مساحةً بل إنه يقتصرعلى تنظيم بنائها و ترميمها فقط في الحدود التى تكفل حرية ممارسة المسيحيين شعائر دينهم دون أن تتجاوز ذلك إلى وضع القواعد الكلية التى تحتاج في سنها إلى دراساتٍ و بحوث قد لا يُسعِف الأجل المضروب لإتمامها ، ولا يعنى هذا المصادرة على حق البرلمان في أن يُضمِّن القانون المذكور ما يراه أعضاؤه من أحكامٍ تتناول نطاقًا أوسع من هذا النطاق ، إذ أن ذلك الحق مكفولٌ له لا فرية فيه ، بيد أنه لن يكون ملتزمًا ـ في هذه الحالة ـ بالأجل الذى ضربه النص المشار إليه لحثه على إصدار ذلك القانون خلاله .
والدراسة لن تخلوَ من الفائدة للمسيحين أيضًا ؛ ذلك أنها تلقى الضوء على العوار الذى يعترى مشروع قانون بناء و ترميم الكنائس المقترح و
تتناول تحديد مدى توافق نصوصه مع دستور النظام الحالى حتى لا تبقى الأوضاع معلقةً رهينة الحكم بعدم دستورية أىٍّ من النصوص التى تحكمها ، و تكشف الدؤاسة مواطن التلاعب في مبانى و معانى مشروع القانون المقترح على النحو الذى يجعل من نصوصه مجرد تكئة ينفذ منها النظام للسيطرة علي المسيحيين و إخضاعهم لإرادته مقابل الترخيص لهم ببناء الكنائس و ترميمها ، و غير ذلك من الأمور المهمة .
و على كلٍّ فإنه على الرغم من انعدام شرعية برلمان النظام الحالى في نظرنا ؛ لأنه وليد نظامٍ غير شرعىًّ توسد الحكم بانقلابٍ عسكرىٍّ مجرمٍ قانونًا محرمٍ شرعًا و هو ما يجعله و العدم سواء خلوًّا من أىِّ أثرٍ ، و على الرغم من أن المادة الأولى من القانون رقم (2) لسنة 2015 الذى أصدره البرلمان الشرعى بالخارج تتناول ذلك المعنى إلا أننى أتناول ذلك الأمر بالدراسة بغية قول ما لهذا القانون و ما عليه نظرًا لخطورته و حساسيته .
موضوع الدراسة:
تتناول الدراسة التعليق على نصوص مشروع قانون الحكومة المقترح بتنظيم بناء و ترميم الكنائس ـ ما له و ما عليه ـ وفقًا لنظريات القانون و مفاهيمه المتعارف عليها و بعيدًا عن التحيز و التعصب و التحزب لمذهبٍ سياسىٍّ أو فكرىٍّ و ذلك من وجهة نظر قاضٍ يتناول المسائل بحيادٍ و تجردٍ كاملين ، و قد رأيتُ أن الفائدة لن تكتمل من هذه الدراسة إلا باستهلالها بإلقاء الضوء على التطور التشريعى لقانون تنظيم بناء و ترميم الكنائس في مصر .
التطور التشريعى لقانون بناء و ترميم الكنائس في مصر :
1ـ الخط الهُمايونى :
تعريفه : يقصد به الفرمان " المرسوم " الصادر من السلطان العثمانى عبد المجيد الأول في شهر فبراير عام ألفٍ و ثمانمائةٍ و ستةٍ و خمسين ميلاديًّا الموافق جمادى الآخرة عام ألفٍ و مائتين و اثنين و سبعين للهجرة و الذى تناول تنظيم بناء و ترميم دور العبادة لغير المسلمين و التسوية بينهم و بين المسلمين في سائر و لايات الخلافة العثمانية و من بينها مصر ، و كلمة هُمايون لفظةٌ فارسيةٌ تطلق على السلطان و الملك و العزيز من الناس و تعنى " مُبارك " .
أبرز أحكامه : فيما يتعلق بالتسوية بين المسلمين و غيرهم من أهل الكتاب في الحقوق و الواجبات و تنظيم حقوق غير المسلمين في بناء و ترميم دور العبادة الخاصة بهم فقد أمر السلطان عبد المجيد الأول ـ على لسانه ـ بالخط الهمايونى الذى أصدره في أول نصوصه بأن يصير : " حفظ الناموس في حق جميع تبعتي الموجودين في أي دينٍ كان بدون استثناء " و هو ما يعنى إقرار المساواة بين كافة رعايا الدولة العثمانية مسلمين كانوا أم غير مسلمين من أهل الكتاب في الحقوق و الواجبات ، ثم أورد السلطان في النص الثالث أنه : " لا ينبغى أن تقع موانع في تعمير و ترميم الأبنية المختصة بإجراء العبادات في المدائن و القصبات و القرى التي جميع أهاليها من مذهبٍ واحدٍ و لا في باقي محلاتهم كالمكاتب و المستشفيات و المقابر حسب هيئتها الأصلية ، و لكن إذا لزم تجديد محلاتٍ نظير هذه فيلزم عندما يستصوبها البطرك أو رؤساء الملة أن تُعرَض صورةُ رسمها وإنشائها مرةً إلى بابنا العالي لكي تُقبَل تلك الصورة المعروضة ، و يجري اقتضاؤها على مُوجِب تعلق إرادتي السنية الملوكانية أو تتبين الاعتراضات التي ترد في ذلك الباب في ظرف مدةٍ معينةٍ ، و إذا وُجِدَت فى محل جماعة أهل مذهبٍ واحدٍ منفردين يعنى غير مختلطين بغيرهم فلا يقيدوا بنوعٍ ما عن إجراء الخصوصات المتعلقة بالعبادة فى ذلك الموضع ظاهرًا و علنًا ، أما فى المدن و القصبات و القرى التى تكون أهاليها مركبة من جماعاتٍ مختلفة الأديان فتكون كل جماعةٍ مقتدرةٍ على تعمير و ترميم كنائسها و مستشفياتها و مكاتبها و مقابرها اتباعًا للأصول السابق ذكرها فى المحلة التى تسكنها على حدتها ، لكن متى لزمها أبنيةٌ يقتضى إنشاؤها جديدًا يلزم أن تستدعى بطاركتُها أو جماعةُ مطارنتها الرخصة اللازمة من جانب بابنا العالى فتصدر رخصتنا السنية عندما لا توجد فى ذلك موانع ملكية من طرف دولتنا العلية . "
سريانه من حيث الزمان و المكان : لقد استمر هذا المرسوم نافذًا حتى بعد أن انفصلت بريطانيا بمصر عن الدولة العثمانية بفرض الحماية عليها عام 1914 م و حتى بعد اصدار تصريح 28 فبراير عام 1922 الذى بموجبه أنهت بريطانيا الحماية على مصر و اعترفت بها دولةً مستقلةً و ذلك بموجب المادتين رقمى (153) ، (167) من دستور 1923 .
و قد جرى نص المادة (153) من دستور 1923 بفقرتيها الأولى و الثانية على أن : " (1) يُنظِّم القانون الطريقة التي يباشر بها الملك سلطته طبقًا للمبادئ المقررة بهذا الدستور فيما يختص بالمعاهد الدينية و بتعيين الرؤساء الدينيين و بالأوقاف التي تديرها وزارة الأوقاف وعلى العموم بالمسائل الخاصة بالأديان المسموح بها في البلاد . (2) و إذا لم تُوضَع أحكامٌ تشريعيةٌ تستمر مباشرة هذه السلطة طبقًا للقواعد و العادات المعمول بها الآن . "
كما جرى نص المادة (167) منه على أن : " (1) كل ما قررته القوانين و المراسيم و الأوامر و اللوائح و القرارات من الأحكام و كل ما سُن أو اتُّخِذ من قَبْلُ من الأعمال و الإجراءات طبقا للأصول و الأوضاع المتبعة يبقى نافذًا بشرط أن يكون نفاذها متفقًا مع مبادئ الحرية و المساواة التي يكلفها هذا الدستور . (2) و كل ذلك بدون إخلالٍ بما للسلطة التشريعية من حق إلغائها و تعديلها في حدود سلطتها على أن لا يمثل ذلك بالمبدأ المقرر بالمادة 27 بشأن عدم سريان القوانين على الماضي . "
حيث إن المادة (167) من دستور 1923 كانت قد أقرت استمرار نفاذ سائر القوانين و المراسيم و الأوامر و اللوائح و القرارات السابقة على إصداره بما في ذلك مرسوم الخط الهمايونى شريطة أن تتفق مع مبادئ الحرية والمساواة التى كفلها ذلك الدستور ما لم يتم إلغاؤها أو تعدلها من السلطة التشريعية ، و كانت المادة (153) من ذلك الدستور قد أقرت ـ أيضًا ـ استمرار نفاذ الأحكام المعمول بها في شأن مباشرة الملك سلطاته فيما يتعلق بعموم المسائل الخاصة بالأديان المسموح بها في البلاد ، و إذ لم يصدر القانون الذى أحال إليه ذلك الدستور في هذا الصدد و لم يرد بأحكام الخط الهمايونى ما يُخلُّ بمبادء الحرية و المساواة التى كفلها دستور 1923 فقد استمر سريان أحكام الخط الهمايونى و حل ملك مصر محل السلطان العثمانىِّ في اختصاصته الواردة به ، و استمر ذلك الوضع حتى بعد صدور دستور 1930 وفقًا لنص المادة رقم (6) من مواد إصداره التى رددت ما أوردته المادة (153) من دستور 1923 من أحكامٍ إلى أن تقرر إلغاء العمل به و العودة إلى العمل بدستور 1923 في عام 1935 م .
و باندلاع أحداث يوليو عام 1952 لم يتغير الحال عن ذى قبل إذ إن الدساتير المتعافبة منذ ذلك التاريخ قد أوردت النص على استمرار سريان أحكام القوانين و المراسيم واللوائح السابقة على إصدار كلٍّ منها ، فقد أورد دستور 1956 في مادته رقم (190) أن : " كل ما قررته القوانين و المراسيم و الأوامر و اللوائح و القرارات من أحكامٍ قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذًا ، و مع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد و الإجراءات المقررة فى هذا الدستور . " و قد استمر تداول ذلك النص وصولًا إلى دستور النظام الحالى ، فضلًا عن أنه لم تصدر بعدُ أية قوانين تنظم بناء و ترميم دور العبادة لغير المسلمين في مصر ؛ الأمر الذى يستفاد منه استمرار نفاذ و سريان أحكام الخط الهمايونى حتى يو منا هذا .
نطاق الحق في بناء و ترميم الكنائس وفقًا للخط الهمايونى :
1ـ تناول الخط الهمايونى تنظيم المسائل الآتية :
أـ ترميم دور العبادة ـ بما فيها الكنائس ـ مع الإبقاء على هيئاتها الأصلية .
أطلق الخط الهمايونى يد أهل الأديان من غير المسلمين في إجراء الترميمات اللازمة للدور المخصصة لعبادتهم و سائر محلاتهم كالمكاتب و المستشفيات و المقابر في المدن و القرى التى يعتنق جميع أهلها مذهبًا واحدًا بشرط عدم تغيير هيئاتها الأصلية دون قيدٍ اللهم إلا إذا كان أهل البلدة يتكونون من جماعاتٍ مختلفة الأديان ففى هذه الحالة يتقيد حق كل جماعةٍ في ترميم دور عبادتها و سائر محلاتها وفقًا للقواعد المنصوص عليها و لكن ـ فقط ـ في المحلة التى يسكنونها دون ما يتجاوز نطاقها من محلاتٍ أخرى في ذات البلدة .
ب ـ ترميم دور العبادة مع تغيير هيئاتها الأصلية أو إحلال مبانٍ جديدةٍ لها محل القديمة أو إنشاء دور عبادةٍ جديدة .
إذا استلزم الأمر ترميم دور العبادة بتغير هيئاتها الأصلية أو توسعتها أو تعليتها أو إحلال مبانٍ جديدةٍ لها محل القديمة أو إنشاء دور عبادةٍ جديدة وجب أن يستصدر البطرك أو رؤساء الملة على حسب الأحوال دون غيرهم ـ إذا رأوا استصواب الأمر ـ الترخيص بالترميم أو التعلية أو التوسعة أو الإحلال أو الإنشاء من السلطان شخصيًّا بعد إرسال صورة رسمها و إنشائها إليه ، و له ـ وحده ـ حق منح الترخيص أو رفضه إذا وُجِدَت موانع مَلَكيَّةٌ للدولة العثمانية ، كما أن له إبداء الاعتراضات علي الأمور المطلوب الترخيص بها خلال مدةٍ معقولة .
2ـ استبقى السلطان في يده ـ دون غيره ـ السلطة المطلقة فى منح التراخيص بترميم دور العبادة لغير المسلمين مع تغيير هيئاتها الأصلية أو توسعتها أو تعليتها أو إحلال مبانٍ جديدةٍ لها محل القديمة أو إنشاء دور عبادةٍ جديدة .
3ـ اقتصر الحق في طلب الترخيص في الأمور المذكورة آنفًا على البطاركة و الرؤساء الدينيين دون غيرهم من سائر عموم غير المسلمين .
4ـ أفرد الخط الهمايونى للتركيبة السكانية للبلدان في دولة الخلافة أحكامًا مغايرة تتناسب مع ما إذا كان أهل البلدة يعتنقون مذهبًا واحدًا أم يعتنقون أديانًا و مذاهب مختلفة .
شروط العزبى باشا لبناء الكنائس :
فى فبراير عام 1934 وضع محمد العزبى باشا الذى عينه عبد الفتاح يحيى باشا رئيس الوزارة فى ذلك الوقت وكيلًا له فى وزارة الداخلية شروطًا عشرة لبناء الكنائس فى مصر ، هذه الشروط وجب استيفاؤها جميعًا لإصدار الترخيص ببناء الكنائس ، و هى على النحو التالى :
1- هل الأرض المرغوب بناء كنيسة عليها هي من أرض الفضاء أم الزراعة ؟ و هل هي مملوكة للطالب أم لا ؟ مع بحث الملكية من أنها ثابتة ثبوتًا كافيًا ، و ترفق مستندات الملكية .
2- ما مقادير أبعاد النقطة المراد بناء الكنيسة عليها عن المساجد و الأضرحة الموجودة بالناحية ؟
3- إذا كانت النقطة المذكورة من الأرض الفضاء ، فهل هي وسط أماكن المسلمين أم المسيحيين ؟
4- إذا كانت بين مساكن المسلمين ، فهل لا يوجد مانع من بنائها ؟
5- هل توجد للطائفة المذكورة كنيسة بهذه البلدة خلاف المطلوب بناؤها ؟
6- إن لم يكن بها كنائس ، فما هو مقدار المسافة بين البلدة و بين أقرب كنيسة لهذه الطائفة بالبلدة المجاورة ؟
7- ما هو عدد أفراد الطائفة المذكورة الموجودين بهذه البلدة ؟
8- إذا تبين أن المكان المراد بناء كنيسة عليه قريب من جسور النيل و الترع و المنافع العامة بمصلحة الري فيؤخذ رأي تفتيش الري ، و كذا إذا كان قريبًا من خطوط السكة الحديد و مبانيها فيؤخذ رأي المصلحة المختصة .
9- يُعمَل محضر رسمي عن هذه التحريات ، و يبين ما يجاور النقطة المراد إنشاء الكنيسة عليها من المحلات السارية عليها لائحة المحلات العمومية و المسافة بين تلك النقطة و كل محل من هذا القبيل و يُبعَث به إلي الوزارة .
10- يجب علي الطالب أن يقدم مع طلبه رسمًا عمليًّا بمقياس واحد في الألف و يُوقَّع عليه من الرئيس الديني العام للطائفة و من المهندس الذي له خبرة عن الموقع المراد بناء الكنيسة عليه و علي الجهة المنوطة بالتحريات أن تتحقق من صحتها و أن تُؤشِّر عليها بذلك و تقدمها مع أوراق التحريات .
ـ باستعراض هذه الشروط يتضح أنها تقنن النواحى التنظيمية اللازمة للترخيص ببناء الكنائس من حيث :
أـ لزوم ثبوت ملكية الأرض المراد بناء الكنيسة عليها لطالب الترخيص ثبوتًا كافيًا و لزوم تقديم مستندات الملكية و الرسوم الهندسية لمشروع البناء موقعةً من مهندسٍ محتص ، و هذا الشرط بديهىٌّ بالنسبة للترخيص بأىِّ بناءٍ كنيسةً كان أم غير ذلك .
ب ـ لزوم أن تكون هناك مسافةٌ مناسبةٌ تفصل الأرض المراد بناء الكنيسة عليها ـ إن كانت أرضًا فضاء ـ عن المساجد و الأضرحة الموجودة بالناحية و أن تكون بعيدةً عن أماكن تجمع المسلمين ما لم يُوجَد ما يمنع بناء الكنيسة فيها منعًا للمشاحنات و الاضطرابات بين المسيحيين و المسلمين و درءًا للتصارع و التنافس مع المسلمين ببناء الكنائس من أجل أن تكون ـ فقط ـ أكثرمن المساجد عددًا و مساحةً من غير مقتضىً من ضرورةٍ أو حاجةٍ فعلية .
ج ـ لزوم ألا تكون هناك كنيسةً للطائفة طالبة الترخيص بالبلدة أو المحلة المراد الترخيص ببناء كنيسةٍ جديدةٍ فيها أو ببلدةٍ أو محلةٍ أخرى قريبة منها ، و أن يصل عدد أفراد الطائفة طالبة الترخيص بالبلدة أو المحلة التى يُرَاد بناء الكنيسة فيها إلى الحد المناسب الذى يستلزم بناء كنيسةٍ جديدةٍ بها ؛ و ذلك لضمان أن يكون مسيحيو البلدة أو المحلة المراد بناء الكنيسة فيها يحتاجون فعليًا لبنائها .
د ـ لزوم أخذ رأى مصلحة الرى أو مصلحة السكة الحديد إذا كانت الأرض المراد استصدار الترخيص ببناء الكنيسة عليها تقع بالقرب من جسور النيل أو الترع أو المنافع العامة المتعلقة بالرى أو بالقرب من خطوط السكة الحديد و مبانيها على حسب الأحوال ، و هذا الشرط بديهىٌ ـ أيضًا ـ يستلزمه الترخيص بأىِّ بناء كنيسةً كان أم غير ذلك .
ه ـ التحرى عن كافة الأمور آنفة الذكر على وجه الدقة وعن المسافة الفاصلة بن الأرض المراد بناء الكنيسة عليها و بين المحلات التى تسرى عليها لائحة المحلات العمومية ؛ و ذلك لكفالة ممارسة الشعائر الدينية دون مضايقاتٍ تنجم عن الضوضاء التى تصدرها المحلات المشار إليها .
و ـ اشتراط موافقة الرئيس الدينىِّ العام للطائفة طالبة الترخيص على الرسوم الهندسية للكنيسة المراد الترخيص ببنائها و توقيعه عليها .
ى ـ لزوم تبيان ما إذا كانت الأرض المراد بناء الكنيسة عليها أرضًا زراعيةً أم أرضًا فضاء ، و تزداد أهمية ذلك الشرط في الوقت الراهن الذى تسعى فيه الدولة إلى حماية رقعة الأراضى المزروعة بها و تنميتها .
ـ لم تأتِ هذه الشروط بما يتعارض مع أحكام الخط الهمايونى بل تناولت ـ فقط ـ النواحى التنظيمية لبناء الكنائس دون غيرها من دور العبادة الخاصة بالأديان الأخرى و اقتصرت على الترخيص ببنائها ـ فقط ـ دون باقى الأعمال الأخرى كالترميم و الإحلال و التجديد من غير أن تتطرق إلى صميم الأحكام الواردة به حذفًا أو تعديلًا ، لذا فإنها تعد بمثابة اللائحة التنفيذية للقانون التى تبين و توضح و تفصل أحكامه العامة ، و من ثم فقد بقى الخط الهمايونى ساريًا حتى بعد سن هذه الشروط .
ـ لم تتناول القوانين المتعاقبة الخاصة بأعمال البناء انتهاءً بالقانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء تنظيم التراخيص ببناء و ترميم و إحلال و تجديد دور العبادة بأية أحكامٍ خاصة ، بل وردت نصوصها ـ في هذا الصدد ـ على وجه العموم لتشمل كافة الأبنية و المنشآت ، و بالنظر إلى أحكام الخط الهمايونى و شروط العزبى التى تمثل اللائحة التفيذية لها في شأن بناء الكنائس يتبين أنها تتناول تنظيم الترخيص بالأعمال المشار إليها فيما يتعلق بدور العبادة فحسب ، ومن ثم فإنه وفقًا لقاعدة ( القانون الخاص يقيد العام ) تكون أحكام الخط الهمايونى و شروط العزبى بمثابة القانون الخاص الذى يقيد الأحكام الواردة في القوانين التى تنظم أعمال البناء بحسبان أنها تمثل القانون العام ولاسيما أنها لم تأتِ بما يخالف أحكامهما بل اقتصرت على تنظيم المسائل الإجرائية المتعلقة بشروط الترخيص ، الأمر الذى يُستفاد منه استمرار سريانهما إلى يومنا هذا .
الوضع الراهن في ظل دستور النظام الحالى :
لم يتناول دستور النظام الحالى مسائل تنظيم بناء و ترميم و إحلال دور العبادة لغير المسلمين من أهل الكتاب بأحكامٍ خاصة ، و لكنه أحال فيما يتعلق بشئونهم الدينية إلى شرائعهم الخاصة ، فضلًا عن أنه لم يتناول بالتنظيم حالة ما إذا تعارضت الأحكام الخاصة لشرائع غير المسلمين مع الأحكام العامة للشريعة الإسلامية .
فقد نص بمادته الثانية على أن : " الإسلام دين الدولة ، و اللغة العربية لغتها الرسمية ، و مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسيُّ للتشريع . "
بينما نص في مادته الثالثة على أن " مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين و اليهود المصدر الرئيسيُّ للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية و شئونهم الدينية ، و اختيار قياداتهم الروحية . "
و يتبين من المادتين آنفتى الذكر معًا أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسىُّ للتشريع كأصلٍ عامٍ ، و تُستثنى من هذا الأصل مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين و شئونُهم الدينية و اختيار قياداتهم الروحية لتكون مبادئ شرائعهم الخاصة هى المصدر الرئيسىُّ للتشريعات المنظمة لها ، و الاستئناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه .
و من ناجيةٍ أخرى فإنه إذا كان معنى عبارة " شئونهم الدينية " ينصرف ـ بالضرورة ـ ليشتمل في مدلوله على أشكال و هيئات دور العبادة الخاصة بغير المسلمين من أهل الكتاب بحيث تتفق في نمطها و هيكلها مع مبادئ شرائعهم الخاصة إلا أنه لا يتسع ليتناول إجراءات الترخيص ببنائها و ترميمها و إحلالها و تجديدها أو تحديد مساحاتها و أعدادها أو اختيار البقاع التى تقام عليها أو غير ذلك من الأمور التى لا صلة لها بشئون الدين ، إذ إن هذه الأمور تخرج عن نطاق الاستثاء الوارد بالمادة المشار إليها ، و يالتالى فإن تنظيم جزئياتها ينعقد للتشريعات التى تخضع لمبادئ الشريعة الإسلامية كمصدرٍ عامٍ للتشريع لا إلى شرائعهم الخاصة ، الأمر الذى تكون معه شروط الترخيص ببناء و ترميم و إحلال و تجديد الكنائس خاضعةً لمبادئ الشريعة الإسلامية .
و إذ لم يتناول دستور النظام الحالى بالتنظيم حالة ما إذا تعارضت الأحكام الخاصة لشرائع غير المسلمين مع الأحكام العامة للشريعة الإسلامية فإنه ـ وفقًا للقواعد العامة و على نحو ما أسلفنا في مقدمة هذه الدراسة ـ تسرى على المسائل التى تتنازعها الشريعة الإسلامية و شرائع عير المسلمين الأحكام الواردة في الشريعة الإسلامية باعتبارها الشريعة العامة التى تسرى أحكامها عند التنازع و الاختلاف .
التعليق على مشروع قانون بناء الكنائس الجديد :
تعريف الكنيسة و ملحقاتها و محلاتها :
بيَّنت المادة رقم (1) من مشروع القانون تعريف الكنيسة و ملحقاتها و محلاتها بالبنود الأربعة الأول حيث جرى نصها على أنه :
" في تطبيق أحكام هذا القانون يُقصَد بالكلمات و العبارات التالية المعني المُبيَّن قرين كل منها :
1ـ الكنيسة :
مبنًي مستقلٌ محاطٌ بسورٍ، تُمارَس فيه الصلاة و الشعائر الدينية للمسيحيين على نحوٍ منتظمٍ ، يتكون من طابقٍ واحدٍ أو أكثر و له سقفٌ واحدٌ أو أكثر، و يجوز أن يشمل على ما يلي :
أ- هيكل أو منبر : المكان الذي يقوم فيه رجال الدين المختصون بأداء الصلاة و الشعائر الدينية وفقًا للقواعد و التقاليد الكنسية .
ب- صحن الكنيسة : المكان الذي يتواجد فيه المصلون لأداء الصلاة و الشعائر الدينية مع رجال الدين .
ج- قاعة المعمودية : مكان يُستخدَم في أداء طقس العماد و يكون مزودًا بالمرافق من ماءٍ و كهرباء و صرفٍ صحيٍّ .
د- المنارة : جزءٌ مرتفعٌ من مبني الكنسية على شكل مربعٍ أو مستطيلٍ أو مثمن الأضلاع أو على شكلٍ اسطوانيٍّ أو غيرها من الأشكال ، يكون متصلًا بمبني الكنيسة أو منفصلًا عنها وفًقا للتقاليد الدينية أو التصميم الهندسي .
2ـ ملحق الكنسية :
مبنًي للكنيسة داخل نطاق سورها ، و يشمل بحسب الاحتياج على الأماكن اللازمة لقيام الكنيسة بخدماتها الدينية و ادارتها .
3ـ بيت الخلوة :
مبنًى للكنيسة يشمل على أماكن للإقامة و أماكن لممارسة الأنشطة الروحية و الثقافية و الترفيهية.
4ـ مكان صناعة القربان :
مكانٌ داخل الكنيسة أو ملحق الكنيسة مجهزٌ لصناعة القربان ، و مستوفٍ لكافة الاشتراطات الصحية و معايير السلامة و الأمان على النحو المحدد بالقانون . "
تعريف الكنيسة :
وفقًا لهذه المادة و لما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة رقم (2) من ذات مشروع القانون من أنه : " و يجوز أن تضم الكنيسة أكثر من هيكلٍ أو منبرٍ و أكثر من صحنٍ و قاعة معمودية و منارة . " يمكننا تعريف الكنيسة بأنها : مبنًي مستقلٌ محاطٌ بسورٍ، تُمارَس فيه الصلاة و الشعائر الدينية للمسيحيين على نحوٍ منتظمٍ ، يتكون من طابقٍ واحدٍ أو أكثر و له سقفٌ واحدٌ أو أكثر، و يجوز أن يشمل على منارةٍ وصحنٍ و منبرٍ أو هيكل و صحنٍ و قاعة معموديةٍ أو أكثر .
و من هذا التعريف يتضح أن مشروع القانون المقترح قد اشترط في الكنيسة عدة شروطٍ تطلب توافرها مجتمعةً :
1ـ أن تكون مبنًى مستقلًا قائمًا بذاته ، فإن لم تكن كذلك بأن كانت جزءًا أو طابقًا في مبنًى فإنها لا تكون ـ وفقًا لهذا الشرط ـ من عداد الكنائس التى تخضع لأحكام مشروع القانون آنف الذكر .
2ـ أن تُمارَس فيها الصلاة و الشعائر الدينية للمسيحيين ، فلا يكون المكان الذى تمارس فيه الصلاة فقط أو الشعائر الدينية المسيحية فقط من عداد الكنائس التى تخضع لأحكام مشروع القانون آنف الذكر إذ ينبغى ــ وفقًا لهذا الشرط ـ أن تقترن الصلاة ممارسة الشعائر الدينية فيها معًا .
3ـ أن تكون ممارسة الصلاة و الشعائر الدينية قائمةً على نحوٍ منتظمٍ أى بشكلٍ مستمرٍ في المواعيد المقررة للصلاة و لإقامة الشعائر الخاصة بالدين المسيحىِّ .
و يتناول التعريف السابق ثلاثة أحوالٍ للكنائس :
أ ـ الكنائس القائمة المرخص ببنائها :
إذا افتقدت إحدى الكنائس القائمة بالفعل و المرخص ببنائها واحدًا من هذه الشروط أو أكثر فإنها لا تكون ـ وفقًا لهذا التعريف ـ من عداد الكنائس التى تخضع لأحكام مشروع القانون المقترح، و يترتب على ذلك أنه في حالة طلب الترخيص بترميمها أو بتعليتها أو بتوسعتها بإحلالها و تجديدها فإن ذلك الطلب سيجابه من قبل جهة الإدارة بالرفض لافتقاد المبنى الذى يُرَاد الترخيص بإجراء مثل هذه الأعمال فيه وصف الكنيسة .
ب ـ الكنائس القائمة غير المرخص ببنائها :
أما بالنسبة للكنائس القائمة بالفعل و التى لم يُرخَص ببنائها بعدُ فإنها إذا افتقدت واحدًا من هذه الشروط أو أكثر فإنه لن يكون من الجائز ـ قانونًا ـ ترخيصها أو توفيق أوضاعها وفقًا للقواعد المقررة وقت إنشائها أو بعد إصدار مشروع القانون المشار إليه و سريان أحكامه لانحسار وصف الكنيسة عنها وفقًا للتعريف سالف البيان .
ج ـ الكنائس الجديدة التى يُراد الترخيص ببنائها :
و في حالة طلب الترخيص بانشاء كنائس جديدة تفتقر إلى واحدٍ أو أكثر من هذه الشروط ، فإن طلب الترخيص سيجابه بالرفض من جهة الإدارة .
تعريف ملحقات الكنيسة :
ـ ملحق الكنيسة هو : كل مبنًي للكنيسة يُقَام داخل نطاق سورها ، و يشمل بحسب الاحتياج على الأماكن اللازمة لقيام الكنيسة بخدماتها الدينية و ادارتها .
ـ وفقًا لهذا التعريف ـ و بإعمال مفهوم المخالفة ـ يخرج عن وصف ملحق الكنيسة كلُّ مبنًى يُنشَأ خارج سورها أيًا ما كان مسماه أو الغرض من إنشائه .
ـ مكان صناعة القربان الذى ورد تعريفه بالبند رقم (4) من هذه المادة على أنه " مكانٌ داخل الكنيسة أو ملحق الكنيسة مجهزٌ لصناعة القربان ، و مستوفٍ لكافة الاشتراطات الصحية و معايير السلامة و الأمان على النحو المحدد بالقانون . " يُعتبَر إما جزءًا من الكنيسة في حال إقامته داخل مبناها و إما واحدًا من ملحقاتها في حال إقامته داخل سورها ، و لا يجوز الترخيص بإنشائه خارج الكنيسة أو خارج أسوارها .
ـ بيت الخلوة الذى ورد تعريفه بالبند رقم (3) من هذه المادة على أنه : "
 مبنًى للكنيسة يشمل على أماكن للإقامة و أماكن لممارسة الأنشطة الروحية و الثقافية و الترفيهية . " لا يُعتبَر من ـ وفقًا لهذا التعريف ـ من ملحقات الكنيسة ما لم يكن مبنيًّا داخل سورها ، و يجوز الترخيص بإنشائه في أىِّ مكانٍ آخر خارج سور الكنيسة .
مساحة الكنيسة :
لم يضع مشروع القانون محل الدراسة حدودًا دنيا أو قصوى لمساحات الكنائس و ملحقاتها و محلاتها التى يُطلَب الترخيص ببنائها إذ أورد بالمادة رقم (2) النص على أن : " يُرَاعى أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها و ملحق الكنيسة على نحو يتناسب مع عدد و حاجة المواطنين المسيحيين في المنطقة التي تُقام بها ، مع مراعاة معدلات النمو السكاني . "
وضعت هذه المادة معيارين تتحدد بُنَاءً عليهما مساحات الكنائس و ملحقاتها التى يطلب الترخيص ببنائها و هى كالآتى :
معيار عدد المواطنين المسيحيين في المنطقة التى ستقام بها الكنيسة و معدلات نموهم السكانىِّ بها .
في ظل سياسة عدم الشفافية التى تنتهجها الحكومات المتعاقبة في مصر إزاء الكشف عن إجمالى العدد الإجمالىِّ للمسيحيين الذين يقطنون أراضى الدولة ككل أو تبيان التوزيع الجغرافىِّ لهم في القرى و الأحياء و المراكز و المدن و المحافظات ومعدلات نموهم السكانىِّ بكلٍ منها على حده ، فإن هذا المعيار يصبح مفرغًا من مضمونه تمامًا ؛ ذلك أنه يُخضِع تحديد مساحات الكنائس الجديدة التى يُرَاد بناؤها لمطلق إرادة جهة الإدارة ، إذ إنه بحسْب المختص بإصدار التراخيص أن يرتكن إلى أن أعداد المسيحيين القاطنين بالمنطقة التى يُرَاد بناء الكنيسة فيها أو أن معدلات نموهم السكانىِّ بها من القلة بمكانٍ بحيث لا تتناسب مع المساحة المطلوب الترخيص بها ليجبر طالب الترخيص على الانتقاص منها دون أن يتسنى للأخير تفنيد مزاعمه و الرد عليها .
معيار تناسب مساحة الكنيسة مع حاجة المسيحيين في منطقةٍ معينةٍ .
هذا المعيار ـ أيضًا ـ من الإبهام و الإجمال بما يحتاج إلى توضيحٍ و تفصيلٍ ؛ ذلك أنه لم يُعرِّف معنى لفظة " الحاجة " التى تتحدد بمقتضاها مساحات الكنائس التى يُرَاد بناؤها ، و لم يبين كيفية تحديد مقدارها و الحد الذى تكون فيه موجبةً لإصار الترخيص ، و بالتالى فإن إعمال ذلك المعيار يخضع ـ أيضًا ـ لمطلق إرادة جهة الإدارة ، و بحسْب المختص بإصدار التراخيص أن يرتكن إلى أنعدام أو ضعف الحاجة إلى بناء الكنيسة بالمساحة المطلوب الترخيص بها في المنطقة التى يُراد بناؤها فيها ليجبر طالب الترخيص على الانتقاص منها دون أن يتسنى للأخير تفنيد مزاعمه و الرد عليها .
و من ناحيةٍ أخرى فإن المعيار القائم على الحاجة إلى إقامة الكنيسة في منطقةٍ معينةٍ بمساحةٍ معينةٍ تتناسب مع هده الحاجة يتعارض مع المعيار القائم على أساس عدد المواطنين المسيحيين فيها و معدلات نموهم السكانىِّ بها ؛ ذلك أنه حتى في حالة ثبوت الكثاقة السكانية العالية للمواطنيين المسيحيين في منطقةٍ معينة على وجه اليقين فإنه لن يتسنى لهم بناء الكنيسة بالمساحة التى تتناسب مع أعدادهم بها طالما ارتكن المختص بإصدار التراخيص وفقًا لسلطته المطلقة في هذا الصدد إلى أن حاجة المسيحيين بتلك المنطقة ـ رغم كثافتهم السكانية العالية بها ـ لا تقتضى إقامة الكنيسة على المساحة المطلوب الترخيص بها ، فلا يكون أمام طالب الترخيص إلا الانصياع إلى الالتزام بالمساحة المفروضة عليه دون أن يتسنى له تفنيد مزاعمه و الرد عليها .
**

No comments:

Post a Comment